الغضب شيء طبيعي، وعادة ما يكون شيئاً صحياً ولكن وفق معايير معينة لأنه عاطفة بشرية. وإذا وصل الإنسان إلى نقطة عدم التحكم يصبح مدمراً ويؤدى إلى مشاكل عديدة .. مشاكل فى العمل، مشاكل فى العلاقات الإنسانية، أو مشاكل فى جودة الحياة العامة.
ما هو الغضب كتعريف محدد له؟
"الغضب هو إحساس أو عاطفة شعورية تختلف حدتها من الاستثارة الخفيفة انتهاءاً إلى الثورة الحادة" – هذا هو ما قاله الأخصائي النفسي الحاصل على دكتوراه فى دراسة الغضب "تشارلز سبيلبيرجر".
وهذه العاطفة الجياشة مثلها مثل الأحاسيس الأخرى تصاحبها تغيرات فسيولوجية وبيولوجية أخرى، فنجد معها تغير فى حالة عضلة القلب وارتفاع فى ضغط الدم، كما تزيد معدلات إفرازات هرمونات الطاقة من الإدرينالين وغيرها من الهرمونات الأخرى.
كما أن الشخص يصدر استجابة الغضب لإحساسه بالتعدي على كرامته الأمر الذي يؤدى إلى الرفض والصراع والخلاف، وهذا الصراع قد يكون له ثوابت حقيقية أو من خيال الشخص .. وقد يكون له جذور فى الماضي أو نتيجة لخبرة حالية أو من المتوقع حدوثها فى المستقبل
ويعتمد الغضب بدرجاته المختلفة على إدراك "التهديد" الذي يكون إما نتيجة للصراع أو الإحساس بعدم العدل، الإهمال، أو الإذلال والخيانة.
ويمكن أن يكون له تأثير سلبي الذي لا يظهر ويظل كامناً داخل الشخص ومن ثَّم توتره وإصدار العداء تجاه الآخرين.، أما التأثير الإيجابي منه هو الذي يظهر ويكون فى صورة تعبير منطقي.
* مراحل الغضب:
يمر الإنسان أثناء غضبه بمشاعر عديدة، منها الصفات التالية:ضيق، استياء، كدر، استثارة، إحباط، عبوس، سخط، نقمة، إساءة ... وغيرها من الصفات التي تعكس عدم رضاء الإنسان عن موقف ما تعرض له.
* أسباب الغضب:
الغضب يرجع إلى أسباب خارجية أو داخلية، فمن الممكن أن يكون السبب إنسان بعينه مثل زميل فى العمل أو الرئيس نفسه .. أو قد يكون نتيجة للتعرض لخبرات تحفزه على الضيق مثل: أزمة المرور، إلغاء رحلة سفر. وقد يرجع إلى أسباب أخرى من القلق أو إطالة التفكير فى الأمور الخاصة والعائلية أو فى ذكريات مؤلمة تثير مشاعر الغضب عند استرجاع الإنسان لها.
من الأسباب الأخرى للغضب:
- الإرهاق.
- الجوع.
- الألم.
- الفشل فى ممارسة الجنس.
- المرض.
- الاعتماد على عقاقير بعينها (إساءة استعمال العقاقير).
- التغيرات الهرمونية المرتبطة بالدورة الشهرية.
- الوصول إلى سن انقطاع الطمث.
- الانسحاب من تأثير مخدر.
- الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب ثنائي القطب.
- العوامل الجينية.
- مواجهة مصدر الألم هو العامل الرئيسي المسئول عن الغضب، لأنه بدون المواجهة ينمى الشعور بالخوف لدى الإنسان.
* أعراض الغضب:
- ارتفاع ضغط الدم.
- زيادة إفرازات هرمونات الضغوط.
- قصر التنفس .. المزيد عن الإسعافات الأولية لقصر التنفس
- خفقان القلب.
- ارتعاش.
- إمساك.
- تقلص حدقة العين (بؤبؤ العين) .. المزيد عن التركيب التشريحى للعين
- قوة بدنية.
- السرعة فى الكلام والحركة مع التوتر.
- عضلات مشدودة.
- النقد المستمر.
- الاستثارة.
- صمت.
- نفور.
- سلوك عدواني سلبي.
- حسد.
- غيرة.
- عدم شعور بالأمان.
- عدم تقدير الذات.
- الإدانة.
- الاكتئاب.
- القلق.
- عدم القدرة على النوم (الأرق).
- إصدار الآراء السلبية.
- الشكوى المستمرة.
- عدم القدرة على ممارسة الجنس.
* التعبير عن الغضب:
الطريقة الطبيعية السوية للتعبير عن الغضب هو الاستجابة بشكل عنيف نوعاً ما، لأنه إحساس طبيعي يتميز به الإنسان البشرى كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك لكي يتجاوب مع التهديدات التي يواجهها ويصدر فى شكل سلوك عدواني وأحاسيس قوية لتمكنه من الدفاع عن نفسه.
فالغضب مطلوب وضروري من أجل أن يحيا الإنسان حيث يجد من خلاله متنفساً لضغوطه. وعلى الجانب الآخر، من غير المسموح ممارسة العنف مع الأشخاص التي تعرضنا للضيق والذى يتم غرسه منذ الصغر كما هو مقدم على صفحات موقع فيدو لوجود القوانين التي تحكمنا بالإضافة إلى المعايير الاجتماعية وقدرة الإنسان من داخله على أن يضع قيوداً على ما يصدره من سلوك.
يمر الشخص بعمليات إدراكية واعية وغير واعية أثناء التعامل مع خبرة الغضب وهم ثلاث:
1- التعبير عن الغضب.
2- كبح الغضب (عدم التعبير عن الغضب).
3- الغضب الهادىء
والشكل الأول فى التعامل مع الغضب هو التعبير الصريح عنه، وهو ليس شكل عدائي وإنما هو سلوك يتسم بالقوة والتعقل فى آن واحد. فهو غضب صحي قوامه إخراج المشاعر الثورية الكامنة داخل نفس الشخص وبالتالي عدم تعرضه للضغوط المدمرة. لكي يقوم الشخص بالتعبير عن الغضب لابد أن يحدد احتياجاته وكيف يلبيها بدون أن بأذى الآخرين، وكون الإنسان جازماً فهذا يعنى أنه يحترم نفسه ويحترم الآخرين.
من الممكن كبت الغضب وكبحه لكن هذا الشكل خطير للغاية، لأن الإنسان لا يستطيع التعبير عن مشاعره وإخراجها وبالتالي تتراكم الأحاسيس السلبية داخل النفس وترجمتها فى صورة ضغط دم مرتفع ، اكتئاب ... الخ.
وعندما يقع الإنسان فى هذا الفشل من التعبير عن غضبه، يبدأ تكيف الشخص مع هذا الكبت فى إصدار السلوك العدائية تجاه الآخرين لأنه ليس لديه القدرة على المواجهة كما أنه يفشل فى إقامة علاقات اجتماعية ناجحة.
فشل العلاقات المختلفة .. المزيد
أما الغضب الهادىء الشكل الثالث من أنواع التعامل مع الغضب، يهدف إلى تغيير مسار الغضب وهذا يحدث عند التوقف والتفكير فى الغضب للتركيز على شيء إيجابي والغرض من هذا الكبح ومنع ظهور المشاعر الثورية هو تحويلها إلى سلوك بناء إيجابي.
وهذا الغضب متوازن حيث يستطيع الشخص تهدئة غضبه من الداخل بجانب المظهر الخارجي من عدم إتباع السلوك الثوري.
ويقول الدكتور "تشارلز" الأخصائي النفسي- "قد لا تجدي أيا من هذه الطرق الثلاث فى التعامل مع الغضب إذا تعرض الشخص للإيذاء أو إذا كان سيتعرض له".
* كيف يغضب الإنسان؟
تبدأ عاطفة الإنسان فى المخ فى الجزء الذي يسمى بـ(Amygdala)، هذا الجزء هو المسئول عن تحديد المخاطر التي يواجهها الفرد كما أنه مسئولاً عن إرسال التنبيهات والإنذارات عندما تُعرف المخاطر. وهذه المخاطر تصلنا قبل أن تصل إلى قشرة الدماغ (Cortex) التي تبحث فى منطقية رد الفعل وبمعنى آخر أن المخ هو شبكة العمل الذي يؤثر على الفعل قبل أن يتم التفكير فى عواقبه بشكل منطقي.
عندما يخوض الإنسان تجربة الغضب تتوتر عضلات الجسم، بالإضافة إلى قيام المخ بإفراز مواد تسمى بـ (Catecholamines) التي تسبب الشعور بوجود دفعة من الطاقة تستمر لعدة دقائق، وفى نفس الوقت تتزايد معدلات ضربات القلب، يرتفع ضغط الدم، تزيد سرعة التنفس، ويزداد الوجه حمرة لاندفاع الدم الذي يتخلل الأعضاء والأطراف استعداداً لرد الفعل الجسدي. وبعد ذلك تفرز المزيد من المواد وهرمونات الإدرينالين التي تطيل من مدة بقاء الإنسان فى حالة توتر.
وفى معظم الأحيان تتوقف ثورة الغضب هذه عند حد معين قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة والتحكم. والقشرة الخارجية للمخ والتي تقع فى مقدمة الجبهة (Prefrontal cortex) تجعل العواطف فى حالة تناسب، فهذا الجزء بعيد كل البعد عن العواطف ويقوم بدور تنفيذي من أجل الحفاظ على كافة الأفعال فى حالة اتزان وتحت السيطرة.
وتفسير آخر أكثر توضيحاً لطريقة تحكم المخ فى عملية الغضب هو أن (Prefrontal cortex) لها اليد العليا على (Amygdala)، وهذا معناه إذا كانت (Amygdala) تتعامل مع العواطف فإن (Prefrontal cortex) تتعامل مع الأحكام .
وإذا كان للغضب مرحلة إعداد فسيولوجية سابقة على حدوثه التي يستعد فيها الجسم لشن الهجوم، توجد أيضاً مرحلة أخرى تسمى بمرحلة "هدوء العاصفة" حيث يستعيد الجسم فيها حالة الاسترخاء الطبيعية عندما يزول مصدر الثورة أو التهديد. ومن الصعب العودة إلى الحالة الطبيعية للإنسان التي كان عليها قبل التعرض للغضب فى وقت قصير لأن هرمون الإدرينالين الذي يفرزه الجسم أثناء خبرة الغضب يجعل الشخص فى حالة يقظة تستمر لفترة طويلة من الزمن (تتراوح من ساعات وأحيانا تمتد إلى أيام) كما تقلل من قدرة الإنسان على تحمل الغضب والاستجابة لمثيراته بسهولة، بل وتجعله عرضة لنوبة جديدة من نوبات الغضب فيما بعد حتى وإن كان الأمر تافهاً.