اولا العقيدة وطرق معرفتها
معنى العقيدة:
العقيدة لغة مأخوذة من العقد بمعنى الربط، وذلك لأن العقيدة هي المعلومات التي ارتبطت بالقلوب وترسخت في الأنفس. فما يوجد في ذهن الإنسان من معلومات لا يسمى عقيدة ما لم يتأكد منه ويقطع به ويعقد عليه قلبه.
دور العقيدة في حركة الإنسان:
لا شك في أن الأشياء بوجودها الواقعي لا تحرك الإنسان ما لم يتحول هذا الوجود إلى وجود علمي، ويأخذ شكل العقيدة الراسخة في النفس.فوجود الحيوان المفترس خلفك لا يزرع في نفسك ذرة من الخوف إن لم تعلم به، وتعتقد بوجوده، بينما لو اعتقدت بوجود فأرة صغيرة في جحر جانب فراشك فقد لا يغمض لك جفن. إذن العقيدة وحدها هي القادرة على تحريك الإنسان وتسكينه.
وانطلاقاً من هذه الحقيقة الراسخة المزروعة داخل النفس البشرية أكد الإسلام الحنيف على ضرورة الإيمان وأهمية العقيدة ليتولد داخل الإنسان محرك يحركه نحو الطاعة والعمل الصالح ويبعده عن المعصية وارتكاب الشرور.
قال تعالى: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"(1).
البحث عن المعتقد:
لا يمكن للإنسان أن يؤمن بشيء إيماناً صحيحاً على نحو القطع واليقين إلا إذا علمه علماً تفصيلياً وواضحاً وأقام عليه الدليل. من هنا كان الإيمان عن تقليد للغير كالآباء والأجداد والأشراف ورجال الدين ليس عقيدة مقبولة عند الله تعالى.
قال اللّه تعالى موبخاً لهؤلاء: "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباؤنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون"(2).
وكيف يقبل العاقل بالسير على خطى الغير دون أن يعلم إلى أين يسير وما الفائدة في هذا المسير ودون أن يثق بمن يسير خلفه. لهذا كان البحث عن المعتقد واجباً بحكم العقل ولا يجوز فيه التقليد للغير دون تثبت.
التعلم غير التقليد:
لا يعني عدم جواز تقليد الغير في الأمور العقائدية ووجوب التثبت والبحث عدم جواز التعلم من العلماء والأخذ عنهم ما يساعدنا في التفكر للوصول إلى الحقيقة، فالتعلم وسيلة من وسائل البحث ولا يلغي دور العقل في التأكد من صحة ما تعلمناه أو بطلانه.
أصول الدين:
هناك أسئلة شغلت بال الإنسان منذ القدم ولا تزال تشغله إلى يومنا هذا، فالإنسان يحب بفطرته التي فطره الله عليها أن يعرف من أين جاء وإلى أين يذهب ومن جاء به إلى هذا الوجود، وما هو الدور المرسوم له، وما الغاية من وجوده في هذا الكون. من هنا دارت معظم البحوث العقائدية حول هذه التساؤلات.
فمن خلال البحث عن مصدر وجود الإنسان ندخل في مسألة الألوهية وما يرتبط بها من العدل، ومن خلال البحث عن الدور المطلوب من الإنسان القيام به ندخل في بحث النبوة والإمامة، ومن خلال البحث عن المصير ندخل في بحث المعاد. لهذا فرضت هذه الأمور نفسها كأصول للدين لا بد من الإيمان بها عن قطع ويقين.
طرق المعرفة:
لا بد من اتباع سبيل يهدينا إلى المعرفة الحقة فما هو هذا السبيل ؟
الجواب: يجد الإنسان في نفسه قدرتين تساعده على الوصول إلى المعرفة اليقينية، وهما:
القدرة الحسية: وهي قدرة تمكنه من معرفة الأمور الحسية كالمبصرات والمشمومات والمذوقات والمسموعات والمحسوسات.
القدرة العقلية: وهي قدرة تمكنه من معرفة ما لا يدركه الحس من المعاني العامة من خلال معرفة آثارها، وذلك كمعرفة أن وراء الباب شخص عندما نسمع قرعاً على الباب، فترانا نقطع بوجوده ولو لم نره بأعيننا.
ومما يدرك بالقدرة العقلية وجود المعلول من خلال إدراك علته ووجود العلة من خلال إدراك وجود المعلول.
وهكذا الحال في كل أثر ومؤثر. وهذا النوع الأخير هو الذي يستخدم كثيراً في المسائل العقائدية.
وهناك طريق ثالثة للمعرفة هي الوحي سيأتي بيانها عند الحديث عن النبوة.
والخلاصة:
العقيدة هي ما انعقد عليه القلب من المعرفة، وهذه المعرفة لا بد أن تكون يقينية فلا يمكن التقليد فيها لأنه لا يفيد إلا الظن، وقد تحصل هذه المعرفة اليقينية عن طريق الحس أو العقل أو الوحي